رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المؤرخ الأمريكى كينيث كونو: الحداثة المصرية لم تتأثر بالأفكار الأوروبية وحدها وتفاعلت مع الثقافات العالمية

المؤرخ كينيث كونو
المؤرخ كينيث كونو

يعد المؤرخ كينيث كونو من أبرز المؤرخين الأمريكيين فى الوقت الراهن، المهتمين بتاريخ الشرق الأوسط بشكل عام، والتاريخ المصرى على وجه الخصوص. 

ويعمل «كونو» أستاذًا لتاريخ الشرق الأوسط فى جامعة إلينوى الأمريكية، وقد صدر له عدد من الكتب التى تُرجم بعضها إلى العربية ومنها: «الأصول العرقية والرق فى الشرق الأوسط»، و«فلاحو الباشا.. الأرض والمجتمع والاقتصاد فى الوجه البحرى١٧٤٠- ١٨٥٨». 

ومؤخرًا، صدرت الترجمة العربية لكتابه «الزواج والحداثة». وفى هذا الحوار يُناقش المؤرخ الأمريكى مع «الدستور» بعضًا من المحاور البارزة بكتابه. 

■ كيف بدأ اهتمامك بقضايا الشرق الأوسط بشكل عام، ومصر بوجه خاص؟ 

- قبل أن أبدأ فى دراسة تاريخ الشرق الأوسط، لم يكن لدىّ أى معرفة بالمنطقة ولا أى صلات بها. كنت أفكر فى الدراسات العليا بالتاريخ، وعندما حان وقت اختيار المجال قال لى أحد أساتذتى، ما رأيك بالشرق الأوسط؟ بدأت فى البحث ببرامج الدراسات العليا وقراءة كل ما يمكننى العثور عليه فى ثقافة المنطقة وتاريخها. كان ذلك عام ١٩٧٣، ثم جاءت حرب أكتوبر، ونما اهتمامى بقضايا الشرق الأوسط. 

■ ما الذى دفعك نحو البحث فى قضية الزواج بمصر منذ القرن التاسع عشر وعلاقتها بالحداثة؟

- تطور اهتمامى بموضوع الزواج على مدى عدة سنوات. فى وقت سابق كنت قد بحثت فى التاريخ الاجتماعى بكتابى «فلاحو الباشا» فى فتاوى المحكمة الشرعية وسجلاتها، وكنت على دراية بالمعلومات الثرية التى تحتوى عليها عن الحياة الأسرية. فى التسعينيات بدأت الاطلاع على سجلات التعداد فى منتصف القرن التاسع عشر، ورأيت إمكانية إجراء دراسة لتاريخ الأسرة. فى النهاية اقتصرت على الزواج الذى كان موضوعًا عمليًا.

■ توصلت دراستك إلى أن أيديولوجيا العائلة المصرية هى «خلطة مودرن» تجمع بين جذور الفكر الإسلامى والفكر الأوروبى الحديث، وأن الحداثة المصرية كانت تعبيرًا عن خبرات متجذرة فى تقاليد مختلفة عن تلك التى تنتمى إليها الإصلاحات المستوحاة من الأوروبيين.. فبم تفسر حدوث ذلك فى مصر تحديدًا، ثم استمراره ربما حتى اليوم؟ 

- يماثل تاريخ مصر تاريخ البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة الأخرى فى هذا الصدد. كانت نقطة البداية لتطور الحداثة المصرية بالطبع مختلفة عن تلك الموجودة فى أوروبا الغربية. كانت تعبيرًا عن ثقافات مختلفة مع تقاليد مختلفة. 

اعتقد المثقفون فى القرن التاسع عشر أن أحد العوامل الرئيسية فى تقدم أوروبا هو نظامها الأسرى، لذا فقد دافعوا عن التغييرات لتعزيز مؤسسة الأسرة، وبذلك كانوا يتبعون الأفكار الأوروبية حول دور الأسرة الزوجية فى تنشئة الأجيال القادمة. وهذا يعنى بعض التغييرات مثل تعزيز تعليم المرأة، وتقليل تعدد الزوجات، والحد من الطلاق، وليس التغريب الكامل. هذه التغييرات، بالمناسبة، كان من السهل تبريرها فى إطار التقليد الفكرى والقانونى الإسلامى.

■ قلت إن المفكرين التجديديين فى مصر تبنوا أفكار الحداثة الأوروبية دون التخلى عن القيم والتقاليد الإسلامية وفرّقت بين المفكرين التجديديين وما أطلقت عليهم رعايا الاستعمار فى تبنى أفكار الحداثة.. فما الذى قصدته من «رعايا الاستعمار»؟ 

- أشرت إلى مصر على أنها «شبه مستعمرة»، وهو مصطلح تبناه المؤرخون للإشارة إلى دول مثل مصر والإمبراطورية العثمانية وإيران والصين وتايلاند واليابان التى لم تكن مستعمرة رسميًا، لكنها خضعت لنفوذ أوروبى قوى سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. فى هذا الصدد، كان المصريون شبه المستعمرين تحت نفس التأثيرات حتى لو لم يكونوا تحت الحكم الاستعمارى مباشرة.

كان المثقفون مثل «الطهطاوى» و«مبارك» يفكرون فى القيم الحديثة مثل التعليم على أنها عالمية وليست غربية بشكل محدد. بالطبع، اتهم المحافظون الدينيون آنذاك الحداثيين بالترويج للقيم الغربية غير الإسلامية على حساب القيم المصرية الأصلية. وفيما يتعلق بمسألة التعليم، ذكر الحداثيون أن النبى محمد من المعروف عنه أنه قال إن اكتساب المعرفة إلزامى على المسلمين، وضربوا مثالًا بعائشة بنت أبى بكر التى كانت متعلمة.

هذه «الحروب الثقافية» ليست فريدة من نوعها فى مصر، ولكن فى الدول غير الغربية غالبًا ما يُتهم دعاة الحداثة بتعزيز القيم الغربية.

■ قلت إن الكتابات قبل الكولونيالية حول الزواج عبّرت عن عقلية ذكورية، لكنها أيضًا بعد التحديث حتى اليوم لم تتخلص من الفكر الذكورى.. ألا تتفق معى فى أن هيمنة الفكر الذكورى ليست مسألة خاصة بمصر فقط وأن التراتبيات الجندرية مسألة عالمية لا تزال حاضرة بصور مختلفة؟ 

- أنا أتفق معك تمامًا. لاحظ المؤرخون الهنود الذين درسوا العلاقات بين الجنسين أن هناك انتقالًا من أسر عائلية ممتدة إلى أسر يحكمها الزوج ويشيرون إلى الأخير على أنه «النظام الأبوى الجديد». هذا هو شكل جديد من أشكال النظام الأبوى.

■ تطرقت إلى بعض الآثار السلبية للتطور الحداثى على أيديولوجيا العائلة. إن عقدنا موازنة بين الجانبين الإيجابى والسلبى.. إلى أى كفة سيميل تأثير الأفكار الأوروبية على مسار الحداثة فى مصر بشكل عام وأوضاع المرأة بشكل خاص؟

- تأثير الأفكار الأوروبية سمة لا جدال فيها فى التاريخ المصرى، ولا يمكن للمرء أن يقول إنه كان جيدًا أو سيئًا بشكل عام، لأنه ليس لدينا ما نقارنه به. من المستحيل الإجابة عن السؤال علميًا. 

■ تُعِد كتابًا جديدًا عن مصر بعنوان «مصر.. تاريخ قصير».. فما أبرز محاور هذا الكتاب؟ ومتى سيصدر؟

- كتب جيمس يانكوفسكى الطبعة الأولى من هذا الكتاب ونُشرت فى عام ٢٠٠٠. كنت أخصص الكتاب فى مقررى عن التاريخ المصرى الحديث، اعتقدت أنه سيكون من الجيد مراجعة الكتاب وتمديده إلى عام ٢٠١١. 

أناقش فى العمل التطورات الاقتصادية والاجتماعية، والتعليم والحياة الثقافية، والسياسة والدين، وحالة المرأة، من بين قضايا أخرى. ما زلت أعمل عليه، وآمل أن أنهيه بوقت قريب من العام المقبل.